وفي هذه الأروقة، وما وقف عليها من كتب وجرايات معونة للمنتسبين إليها على طلب العلم، وإذا وجد في نبهاء الطلاب بها حرص على الخير، أمكنهم أن يعقدوا فيما بينهم صلة التعارف والتعاطف التي أرشد إليها الدين بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠]، فيعمل فوق ما يستفيدونه من علم وأدب عمل صالح هو تأكيد الرابطة بين الشعوب الإِسلامية المتفرقة.
وبهذه الأروقة صار الأزهر ملتقى أمم إسلامية متباعدة الأقطار. ومتى اشتدت عناية أولي الشأن بأمورهم، فنظروا إليهم بعطف ورعاية، وراقبوا سيرهم في التعليم، وأخذوهم بالنظم الحازمة، وجدت فيهم أوطانهم -إذا انقلبوا إليها- القدوة الصالحة، وكانوا ألسنة تلهج بفضل الأزهر، وتمجيدُ الأزهر يرجع فخره إلى سكان وادي النيل قاطبة.
فتوجيه طلاب العلم بهذه الأروقة -ولاسيما النبهاء منهم-, وحملهم في التعليم على النظم الصالحة، حق من حقوق العالم الإسلامي على الأزهر الشريف، ومفخرة يزداد بها ذكر الأزهر رفعة، وبمثله تبقى القاهرة عاصمة الشرق الأدبية، ومبعث الهداية الإسلامية.
* مشيخة الأزهر:
ما زال الأمراء ينظرون في شؤون الأزهر بأنفسهم حتى اتسعت دائرته، واقتضى حاله أن يسند النظر إلى أحد الكبار من شيوخه، وأول من عرف بولايته شيخاً للأزهر: الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي المالكي المتوفى