ويشترط لفهمه أن يكون مطابقاً لما تقتضيه قوانين اللغة العربية انطباقاً مَحكماً لورود القرآن على أساليبها، بحيث لا يقتبس من مشكاة أنواره إلا ما يفهمه بلغاء العرب الذين نزل في عصرهم، ولا يكن في صدرك حرج من أن الصحابة كانوا على علو كعبهم في الفصاحة، وذلك كثيراً ما يرجعون إليه عليه الصلاة والسلام بالسؤال عن أشياء لم تصل إليها أفهامهم، بل ربما التبس عليهم الحال ففهموا غير المراد، كما وقع لبعضهم في الخيط الأبيض والأسود، لأن عدم توصلهم لفهم تلك الآيات، لم يكن ناشئاً عن استعمالها في غير المعاني المعهودة عندهم، أو على غير النمط المتداول بينهم، وإنما منشؤه الإبهام أو العموم أو الإطلاق، وهاته الطرق يرتكبها فصحاء العرب، فتحتاج إلى بيان أو تخصيص أو تقييد، وأما الاشتباه الذي وقع لعدي بن حاتم فلعدم اهتدائه لقرينة ذلك المجاز، يشهد لذلك ما أجابه به عليه الصلاة والسلام.
وقد انجر الغلو ببعضهم في تفهم قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨} {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩]، فأضافوا إليه كل علم للمتقدمين أو المتأخرين، حتى أهل المعمى والألغاز لم يتركوا حظهم، فقالوا في قوله تعالى:{مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}[هود: ٥٦] ما يمجه السمع ويتبرأ منه العقل، سبحانك هذا بهتان عظيم.
والمراد بالشيء في الآيتين على ما قاله المحققون، ما يتعلق بحال التكليف، وحمل الكتاب في الآية الأولى على اللوح المحفوظ وما هو من سياق الآية ببعيد.
وإذا تحقق هذا الأصل الأصيل، فإنا نجعله مركزاً لدائرة هذا الفن،