كانت العقائد في صدر الإسلام متمكنة تمكناً لا تزلزله الشبهات، كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، إلى أن خرجت طائفة من المبتدعة الضالين يبتغون الفتنة باتباع المتشابهات، وقام في وجوههم العلماء الراسخون يعلمونهم تأويلها، وكلما أوقدوا ناراً للفتنة أطفؤوها بأفواه الحجج القاطعة، ولما لم ينقطع ما في قلوبهم من الزيغ الذي هو مثار تلك الفتن، دوَّن أولئك العلماء علماً يُقتدر به على إثبات العقائد، وهاته العقائد يجب أن تؤخذ من الشرع ليُعتد بها.
ومما يوجد في طوالع الكتب المؤلفة في هذا الفن، أنَّ أرفع العلوم الدينية ورئيسها علم الكلام، ووجهه أن المفسّر إنما يبحث عن معنى كلام الله تعالى، وذلك فرع على وجود الصانع المختار المتكلم، وأما المحدِّث فإنما يبحث عن كلام رسول الله وذلك فرع التوحيد والنبوة، إلا أنه مرؤوس لعلم التفسير من جهة أخرى، وهو ما أشرنا إليه من أن تلك العقائد لا يُعتد بها إلا إذا أخذت من الشرع الذي أصله الكتاب، وعلى هذا صنيع القاضي البيضاوي حيث قال:"علم التفسير رئيس العلوم الدينية ورأسها".
- الاستطلاع الرابع:
كانت العرب على جانب من التعلق بمكارم الأخلاق، ولعقلائهم عناية كبرى بالشجاعة والوفاء بالعهد والكرم، ومن طالع أشعارهم الحماسية، وتردد في بيوتها ينخل من معظمها إلى هاته الأوصاف الثلاثة، إلا أنهم أُشربوا في قلوبهم غِلظة وفي ألسنتهم فظاظة، وكلٌ يسعى وراء داعية هواه، ولذلك كانت الحروب بينهم ناشبة أظفارها، حاملة على الدوام والاستمرار أوزارها، ولما