وتكون رحلتك إلى مؤتمر المستشرقين لم تثمر سوى أنك جئت إلى نوع من الضمير، وقلت: إني وضعت له اسماً جديداً لم يسمه به علماء اللغة العربية في القديم.
قال المحاضر:، "فالضمير إذن في هذه الأنواع الثمانية مستعمل على أنه اسم إشارة. وقد أحس القدماء أنفسهم هذا، فقاله الزمخشري في "الكشاف" - كما قدمنا -، ورووا أن رُؤبة لما سُئل عن الضمير في قوله:
كأنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ
أجاب: "أردت: كأن ذاك".
ذكر صاحب "الكشاف" لإفراد الضمير في آية: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ}[النساء: ٤] وجهين:
أحدهما: ما أوردناه فيما سلف من أن يكون الضمير راجعاً إلى الصداق الذي يجده السامع في ذهنه عند ذكر الصدُقات؛ لأنه في معنى: وآتوا كل واحدة من النساء صداقها.
وثانيهما: أن يكون الضمير "جارياً مجرى اسم الإشارة، كأنه قيل عن شيء من ذلك"، ومعنى هذا - فيما يظهر - أن الضمير في قوله: "منه"، وهو مفرد، كنَّى به عن الصدُقات، وهو جمع، أجراه له مجرى اسم الإشارة المفرد؛ فإنه قد يشار به إلى الاثنين؛ نحو قوله تعالى:{لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}[البقرة: ٦٨]، وقد يشار به إلى الجمع؛ كقوله تعالى:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}[الإسراء: ٣٨]. فالذي يؤخذ من عبارة الزمخشري: أن ضمير المفرد كني به عن جمع؛ إلحاقاً له باسم الإشارة في أنه قد يشار به إلى جمع، فالإجراء يرجع إلى هذا الوجه، وهو استعمال المفرد