للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= على المقلد فقد يعد بعض الناس القولين بالنسبة إليه مخيراً فيهما، كما يخير في خصال الكفارة، فيتبع هواه وما يوافق غرضه دون ما يخالفه، وربما استظهر على ذلك بكلام بعض المفتين المتأخرين، وقواه بما روي من قوله - عليه السلام - "أصحابي كالنجوم" وقد مر الجواب عنه، وأن صح فهو معمول به فيما إذا ذهب المقلد فاستفتى صحابياً أو غيره فقلده فيما أفتاه به فيما له أو عليه، وأما إذا تعارض عنده قولا مفتيين فالحق أن يقال: ليس بداخل تحت ظاهر الحديث، لأن كل واحد منهما متبع لدليل عنده يقتضي ضد ما يقتضيه دليل صاحبه، فهما صاحبا دليلين متضادين، فاتباع أحدهما اتباع للهوى، فليس إلا الترجيح بالأعلمية وغيرها، وأيضا فالمجتهدان بالنسبة إلى العامي كالدليلين بالنسبة إلى المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح أو التوقف كذلك المقلد، ولو جاز تحكيم التشهي والأغراض في مثل هذا، لجاز للحاكم وهو باطل بالإجماع، وأيضا فكان ذلك يفضي إلى تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي، وقد حكى ابن حزم الإجماع على أن ذلك فسق لا يحل، وأيضا فإنه مؤد إلى إسقاط التكليف في كل حالة مختلف فيها، لأن حاصل الأمر مع القول بالتخيير أن للمكلف أن يفعل إن شاء ويترك إن شاء، وهو عين إسقاط التكليف، بخلاف ما إذا تقيد للترجيح، فإنه متبع للدليل، فلا يكون متبعاً للهوى ولا مسقطاً للتكليف" اهـ.
وقال القرافي: "إذا كان في المسألة قولان، أحدهما فيه تشديد، والآخر فيه تسهيل، فلا يفتى العامة بالتشديد، والخواص وولاة الامور بالتسهيل، وذلك قريب من الفسوق والخيانة، ودليل على فراغ القلب من تعظيم الله تعالى".
تأييد ما قاله هذان المحققان، أن الشريعة عامة بحسب المكلفين، لا يختص بأحكامها الطلبية بعض دون آخر، وهذا الأصل جار مجرى البديهيات، وهو يقتضي أن لا يعمل الإنسان إلا بالقول الراجح، كما أنه لا يفتي غيره إلا به، لأن ذلك هو حكم الشارع، ففإذا تجاوزه إلى العمل بغيره، فقد انسلخ عما كلف به ودخل تحت العمل على مقتضى شهوة النفس، ومن ثم صرح الفقهاء بأن فائدة ذكر =