من تختم المطامع والجشع على أفواههم فيكتمون ما أنزل الله ويشترون به ثمناً قليلاً، والذي يتولى أكبر هذه المسؤولية خطباء المنابر، فإن كثيراً منهم غيّروا الخطب تغييراً فاحشاً كاد يخرج بها عن دائرة حكمتها التي شرعت لها.
شرعت الخطب للإرشاد إلى ما غايته راحة في الدارين وسعادة في الحياتين، وما مثل الخطيب في قومه إلا كمثل الطبيب الحكيم يسلم إليه شخص ليتكفل بالمحافظة على صحته، فلا يمكنه توفية هذه المحافظة حقها إلا بتفقد بدن ذلك الإنسان وتعهده في جميع الأزمنة، فإن طرأ على بنيته اعتلال أو مزاجه انحراف بادر إلى معالجته بدوائه المناسب له، وإلا فشأنه التحذير مما تتولد منه العلل وتتعفن به الأخلاط.
وكما أن الطبيب لا يخص مراقبته بالأعضاء الرئيسية الدماغ والقلب مثلاً، ويترك ما عداه غير مأسوف عليه، كذلك الخطيب لا يقف بتذكرته النافعة عند حد العبادات المحضة، فإن التمكن من القيام بقواعدها له شروط ووسائل لا يتم إلا بها، فلا بد من استلفات الأنظار إلى استجماعها والتنشيط إلى الاستعداد فيها، ومن هنا وجب أن يكون الخطيب بحاثاً عن أحوال الأمة، متفطناً لمصالحهم الدينية والدنيوية.
إنْ أدركَ الناسَ فتورٌ عن إقامة شعائر الدين استمالهم إليها ببواعث الترغيب تارة، وقرعهم بسيوف الترهيب تارة أخرى، وإن تخبطتهم شياطين التدابر والتخاذل، عوذهم من شر عاقبتها الوخيمة برقية الآيات والأحاديث التي تحيى في نفوسهم عواطف المحبة والائتلاف، وإن آنس من أخلاقهم عوجاً وحيفاً كعدم الصدق في المعاملات والتظاهر بالمداهنة والنفاق بشبهة