سبيلاً، إن تكاليف الشرع على نوعين: عبادات وعادات، أما قسم العادات: وهو ما تقوم به قوانين العمران في هذه الحياة الدنيا، فقد توسع الشارع في بيان علله وحكمه الخاصة صراحة أو رمزاً كقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة: ١٧٩] , وقوله:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ}[المائدة: ٩١] الآية. وفي الحديث:"لا يقضي القاضي وهو غضبان". وقال:"القائل لا يرث" إلى غير ذلك.
وأما ما كان من قبيل العبادات، كالصلاة والصوم والحج، فالأصل فيه بالنسبة إلى المكلف التعبد، وحكمته العامة الانقياد لأوامر الله تعالى، وإفراده بالخضوع والتعظيم، وقد يبين له الشارع علة خاصة، لكن التقرب إلى الله تعالى بما لم يطلعنا على حكمته، أدل على كمال العبودية له والإخلاص في التوجه إليه؛ لأن الإتيان بالقربات التي أدركنا حكمتها المناسبة، لا يخلو عن شائبة القصد إلى المصالح المترتبة عليها، وهو وإن لم يكن محبطاً بعملها يهضم شيئاً قليلاً من خلوصها؛ فإن قال غير متشرع: لماذا كانت صلاة الظهر أربع ركعات وصلاة المغرب ثلاثاً؟
فألقم فاه بحجر هذه النكتة الحكمية، وإن قاله متشرع، قلنا له: الله ورسوله أعلم.