كنَّا بحورَ معارفٍ ما من حُلىً ... إلّا ومن أغوارِها يتصيَّدُ
ما صَرْصرتْ أقلامُنا في مَهْرقٍ ... إلّا رأيتَ الدُّرَّ فيه يُنضَّدُ
من كلِّ معنى يبهرُ الألبابَ أو ... نسجٍ يقومُ له البليغُ ويقعدُ
ويقومُ فينا للخطابةِ مِصقع ... فترى بناتِ الفكر كيف نولِّدُ
كنَّا جلاءً للصدورِ من القذى ... ولواؤنا بيدِ السعادةِ يُعقَدُ
ما صافحتْ راحاتنا دوحاً ذوى ... إلّا وأينعَ منه غصنٌ أغيدُ
ومن احتمى بطِرَافِنا السامي الذُّرى ... آوى إلى الحرمِ الذي لا يُضهدُ
لا يمتري أهل التَّمدُّن أنَّهم ... لو لم يسيروا إثرنا لم يَصعدوا
فسلوا متى شئتم سُراتهم فما ... من أمةٍ إلّا لنا فيها يَدٌ
لا فخرَ في الدنيا بغير مجادةٍ ... تعنو لها الأممُ العظامُ وتسجدُ
لكنَّنا لم نرعَ فيه حرمةً ... بذمامِها منَّا الرقابُ تُقلَّدُ
أخذت مطيَّاتُ الهوى تحدو بنا ... في كلِّ لاغيةٍ كساعةِ نُولدُ
حتَّى انزوى من ظِلها الممدودِ ما ... فيه مقامٌ يُستطابُ ومَقعدُ
أبناءَ هذا العصر هل من نهضةٍ ... تُشفي غليلاً حَرُّه يَتصعدُ
هذي الصنائعُ ذَلَّلت أدواتها ... وسبيلها للعالمين مُمهّدُ
وكذاك بذر العلم أخرج شطأه ... ودنا جناه فما لنا لا نَحصدُ
بهما جرى القومُ الذين استُضعفوا ... من قبلُ شوطاً في المتقدم يُبعَدُ
أفلا نسير مسير ذي رُشدٍ إلى ... آثار ما قد أسَّسوه وشيَّدوا
فلطالما حوت الغنائمُ جولةً ... من رائدِ النظرِ الذي لا يُخمدُ
إنَّ المعارفَ والصنائعَ عُدَّةٌ ... بابُ الترقي من سِواها مُوصدٌ