للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يرد في القرآن على وجه الإخبار لا يكون إلا موافقاً للواقع، هذا ما يقتضيه الإيمان بأنه تنزيل من عليم حكيم، ولو أجزنا أن يكون فيه أقوال غير مطابقة للواقع، لكان معنى ذلك: أن من أقواله ما يكون كذباً، وليس الكذب سوى عدم مطابقة الكلام للواقع. وإذا كان الفضلاء من الناس يتبرؤون من أن يقولوا زوراً، ويعدّونه في أقبح الرذائل المزرية بالإنسانية، فما كان لنا أن نلصقه بكلام ذي العزة والجلال، ناظرين إلى مقام الربوبية كما ننظر إلى شاعر أو كاتب قد يعجز عن أن يظهر براعته الفنية في الحوادث الواقعة تاريخياً.

يصف كاتب الرسالة الكتابَ الحكيم بالتناقض في رواية الخبر الواحد، مستدلاً بذلك على أنه لا يلتزم الصدق التاريخي، ويقول: "بدليل التناقض في رواية الخبر الواحد؛ مثل: أن البشرى بالغلام لإبراهيم، أو لامرأته".

التناقض في الأخبار: أن يختلف الخبران بالإيجاب والسلب، مع اتحادهما فيما عدا ذلك، ويلزم من صدق أحدهما كذبُ الآخر؛ كأن تقول: بشرت زيداً بقدوم ابنه، ثم تقول: لم أبشر زيداً بقدوم ابنه، ومثل هذا الضرب من الكلام لم يقع في الآية الكريمة، وإنما ورد: أن الله بشَّر عن طريق الملائكة إبراهيم - عليه السلام - بغلام؛ كما قال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: ١٠١] , {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: ١١٢]، وفي آية أخرى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: ٥٣]، وورد في آية أخرى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: ٧١]. ومن المعقول أن يبشر الملائكة إبراهيم - عليه السلام -, ثم يبشروا امرأته