كالتعليم والشهادة والإشهاد والبيع والشراء وسائر المعاملات الشرعية، جاز بلا خلاف، ومن أدلته خطاب النساء الأجنبيات واسترشادهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - بمحضر الصحابة، ورواية الصحابة عن أمهات المؤمنين وغيرهن، وإن كان مما ينشأ عنه مفسدة في الأغلب، كالغناء والتكلم بما فيه تعريض بالفواحش أو تمطيط وتكسير وتشويق، حُرم قطعاً إذ لا مرية أنه مما يُهيِّج النفوس، ويثير هواها ويحرك الساكن من شهواتها الزائغة، ومن القواعد التي بنيت عليها أحكام الشريعة المطهرة، قطع الوسائل التي تجر إلى المفاسد في الغالب بمنع سائر المكلفين من التلبس بها، وقال تعالى:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}[الأحزاب: ٣٢] أي ليكن قولكنَّ جزلاً وكلامكنَّ فصلاً ولا يكن على وجه يحدث في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين المطمع للسامع.
ولا يرد على هذا حديث الجاريتين المغنيتين في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقرهما على ذلك؛ لأن غناءهما ليس من النوع الذي أشرنا إليه، المقول فيه الغناء رقية الزنى، ألا يرى إلى قول "عائشة - رضي الله عنها -" وليستا بمغنيتين، أي ليستا ممن يحسن الغناء الذي فيه التمطيط والتكسير، وإنما سمَّت ما صدر منهما غناء على عادة العرب في تسميتها لرفع الصوت غناء، ولو لم يكن بترنم، كما أنه لم يكن في التشبيب بأهل الجمال، وإنما كان في الحرب والشجاعة والتفاخر بالظهور الذي يبث في جأش سامعه قوة وإقداماً مع أمن الافتتان بهما وقتئذ، ومثله حديث بنات النجار الذي تضمنه السؤال، على أن الوارد فيه عن "عائشة - رضي الله عنها -"، لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن:"طلع البدر علينا" ... إلخ.
نعم يكره للمرأة رفع صوتها في المواطن التي يستغنى فيها عن ذلك،