تطبيقها على الأمراض بحسب الاختلاف في السنن والزمان والعادة والهوى، فإن الأطباء مجمعون على أن العلة المعينة يختلف علاجها بحسب الاختلاف في ذلك، ويكفي في صدقها تحقق الشفاء بها في الجملة، فالنبي - عليه الصلاة والسلام - بُعث لتعليم الشرائع، ولكنه إن صدر منه في غيرها قول كأحاديث الطب، كان بمنزلة الشرعيات عندنا لا نرتاب في صحته وإن ارتاب المبطلون.
أما واقعة تلقيح النخل، فقد بيَّن - عليه الصلاة والسلام - من أول الأمر أن قوله:"لو لمْ تَفعلُوا لصلحَ" إنما هو بمقتضى الظن بقوله: "ما أظن ذلك يغني شيئاً"، فهو بمثابة قوله "أظن أنكم لو لم تفعلوا لصلح"؛ لأن اعتقاد سببية أمر لحصول آخر يكون لإعلام من الشارع ولم يقع هنا أو بالتجربة، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يمارس الفلاحة لاستغراقه فيما هو أشرف مكانة وأعم فائدة للأمة، فرجع إلى ما هو الأصل، وهو أن لا تأثير إلا لله، وعندما تبين له بالتجربة أن التلقيح سبب في صلاح الثمر، قال لهم:"أَنْتم أَعلمُ بأمرِ دنياكم" فالأمر في هذه الجملة يصرف إلى الأمور التي لم يتكلم فيها بصورة جزم كواقعة التلقيح، فتخرج أحاديث الطب فإنها أوامر وأخبار لم تعلق بظن، فلا يسعنا إلا التصديق بصحتها تصديقاً لا ينقض ميثاقه تشكيكات المتطببين، فإنهم يختلفون اختلافاً كثيراً.