قال كاتب الرسالة:"والقرآن عمد إلى بعض التاريخ الشعبي للعرب، وأبطال أهل الكتاب، ونشره نشراً يدعم غرضه (ص ٩٣)؛ كقصة ذي القرنين".
إذا قص القرآن حوادث كان حديثها يدور بين العرب، أو أهل الكتاب، فإنما يقصها لقصد يعود على دعوته الشاملة بتأكيد، وهو - بعد هذا - لا يقص من تلك الحوادث إلا الواقع، وليس من المعقول أن يجاري القرآن العرب أو أهل الكتاب فيما يتسامرون به في مجالسهم، فيعرض منها ما ليس بواقع، وهو تنزيل من علّام الغيوب.
أما قصة ذي القرنين، فقد ذكر القرآن أن الكفار وجهوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سؤالاً عن ذي القرنين، فقال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ}[الكهف: ٨٣]، ولا يخطر على بال أحد فَهمَ مساق القصة، وعرفَ ما يقصده أولئك المتعنتون من أسئلتهم، أن يكون قصدهم من هذا السؤال أن تصور لهم قصة ذي القرنين في صورة فنية، وإن كانت غير مطابقة للواقع التاريخي، فيكون غرضهم إذاً اختبار حال المسؤول من جهة حسن البيان، وذلك ما لا يحتمله لفظ الآية، ولا يساعد عليه مساقها.
نزل الوحي بالجواب عن هذا السؤال، قال تعالى: {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: ٨٣، ٨٤] ... إلخ القصة، وقد اختلف الكاتبون في: من هو ذو القرنين الذي تحدث عنه القرآن في هذه القصة؟ وأخذوا يتحدثون عن الإسكندر الرومي، والإسكندر اليوناني، وغيره. ونحن نطرح كل حديث عن شخص لا ينطبق عليه ما وصف به القرآن ذا القرنين، ونقطع ببطلان أن يكون ذلك الشخص هو المسمَّى في هذه القصة: ذا القرنين، ونقول: إن القصة الواردة في القرآن موافقة للواقع التاريخي