للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرعيل الأول. وقد أرضى بنزعته المعتدلة، وحجته القوية، وتثبته مما يقول جميع الطوائف، وذلك أن كل رأي يقول به إنما يستند إلى دليل واضح مقبول.

ولقد أسهم في الحركة الفكرية الإسلامية بنصيب وافر، فكتب في كل ما أثير في عصره الخصب في الفكر والبحث.

كتب في "الخلافة" (١)، وفي "الشعر الجاهلي" (٢)، وفي "حكمة الشريعة"، وفي "صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان". فقد كان عالماً تفرغ للعلم، لم يشغله عنه شاغل من شواغل الدنيا، أو الجاه والسلطان.

وحينما تولى "مشيخة الأزهر" لم يغيّر شيئاً من عاداته، كان على استعداد كامل ودائم لأن يعيش على كسرة من الخبز وكوب من اللبن. ولأنه لم يكن له في شهوات المنصب من حظ، فإنه كان -دائماً- يحتفظ باستقالته في جيبه، ولقد كان يقول: "إن الأزهر أمانة في عنقي، أسلّمها -حين أسلمها- موفورة كاملة، وإذا لم يتأتَّ أن يحصل للأزهر مزيد من الازدهار على يديَّ، فلا أقلَّ من ألا يحصل له نقص".

ومات -رحمه الله تعالى- لم يخلّف من حطام الدنيا شيئاً. مات وقد قدّم لأخراه النصيب الأوفر من حياته، بل كل حياته - رضي الله عنه -، وأرضاه-.

وقد جمع الكثير مما كتَب، وتمَّ طبعه في "لبنان" (٣) بعد وفاته، وهو كنز نفيس جَمُّ النفع لمن يحصّله.


(١) كتاب "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" الذي ردَّ فيه الإمام على علي عبد الرازق.
(٢) كتاب "نقض كتاب في الشعر الجاهلي" الذي ردَّ فيه على طه حسين.
(٣) طبعت جميع الكتب في دمشق.