الأخبار من صحيحها، فلما نقلت العلوم النظرية إلى اللغة العربية، وجدت منهم نفوسًا تلذ العلم، وعقولاً تنشط للمناظرة، وألسنة تعرف كيف تقرر الحجة، ففتحوا لها صدورهم، ووضعوها تحت سلطان أنظارهم، ولم يمنعهم إعجابهم بها، وتنافُسهم على التضلُّع من مواردها، أن يطلقوا الأعنة في مناقشاتها، وتقويم المعوَجّ من مذاهبها، فسدوا ثغوراً يأتي من قِبَلها الباطل، وذللوا لطلاب العلم الطريقال في تفيؤوا فيه ظلال الرشد، وتُدني فيه الفلسفةُ المعقولة قُطوفَها، فقامت للعلوم -على اختلاف موضوعاتها- سوق نافقة، وأصبحت ترى علوم الشريعة، وعلوم الفلسفة المعقولة يلتقيان في النفوس المطمئنة بالإيمان، وتسنَّى للتاريخ أن يحدثك عن كثير من علماء الإسلام، ويصفهم بأنهم جمعوا بين العلوم الشرعية، والعلوم الفلسفية؛ كالغزالي، وابن رشد أبي عبيدةَ مسلمِ بن أحمد الأندلسي، وهو أول من اشتهر في الأندلس بعلم الفلسفة، وكان -مع هذا- صاحبَ فقه وحديث.
فمن خلال كلامه في كتابه "الدعوة إلى الإصلاح" نلحظ ميله إلى إعمال العقل عند دراسة المسائل، واستحسانه للنقد البناء، ومناقشة الآراء، كما نفهم دعوته إلى تنشئة الجيل الصاعد من التلاميذ والطلبة على الاجتهاد التنويري، واستخدام العقل؛ للوصول إلى نتائج إيجابية؛ قصدَ النهوض بأوطاننا، وتتبين -أيضاً- من كلامه حثه الشباب على الاقتداء بالمفكرين العرب المسلمين الذين لم يهملوا العقل في أعمالهم واجتهادهم، وقد ذكر من بين هؤلاء:
- الغزالي أبو حامد محمد بن محمد.
- وابن رشد الحفيد صاحب "تهافت الفلاسفة"، و"فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال".