وعاد إلى التدريس بجامع الزيتونة، وتولى تنظيم خزائن كتبه، ثم اختير للتدريس بالمدرسة الصادقية، وكانت المدرسة الثانوية الوحيدة في تونس، وقام بنشاط واسع في إلقاء المحاضرات التي تستنهض الهمم، وتنير العقول، وتثير الوجدان، وأحدثت هذه المحاضرات صَدًى واسعاً في تونس.
ولما قامت الحرب الطرابلسية بين الدولة العثمانية وإيطاليا، وقف الخضر حسين قلمه ولسانه إلى جانب دولة الخلافة، ودعا الناس إلى عونها ومساندتها، وحين حاولت الحكومة ضَمَّه إلى العمل في محكمة فرنسية، رفضَ الاشتراك فيها، وبدأ الاستعمار الفرنسي يضيق عليه، ويتهمه ببث روح العداء له، فاضطر الشيخ محمد الخضر الحسين إلى مغادرة البلاد سنة (١٣٢٩ هـ، ١٩١٠ م)، واتجه إلى إستانبول.
* بين إستانبول ودمشق:
بدأ الخضر حسين رحلته بزيارة مصر وهو في طريقه إلى دمشق، ثم سافر على إستانبول، ولم يمكث طويلاً، فعاد إلى بلاده ظاناً أن الأمور قد هدأت بها، لكنه أصيب بخيبة أمل، وقرر الهجرة مرة ثانية، واختار دمشق وطنًا له، وعُين بها مدرساً للغة العربية في المدرسة السلطانية سنة (١٣٣١ هـ , ١٩١٢ م)، ثم سافر إلى إستانبول، واتصل بأنور باشا وزير الحربية، فاختاره محرراً عربياً بالوزارة، ثم بعثه إلى برلين في مهمة رسمية، فقضى بها تسعة أشهر، وعاد إلى العاصمة العثمانية، فاستقر بها فترة قصيرة لم ترقه الحياة فيها، فعاد إلى دمشق، وفي أثناء إقامته تعرض لنقمة الطاغية "أحمد جمال باشا" حاكم الشام، فاعتقل سنة (١٣٣٤ هـ، ١٩١٦ م)، وبعد الإفراج عنه عاد إلى إستانبول، وما كاد يستقر بها حتى أوفده أنور باشا مرة أخرى إلى ألمانيا