بالشبهات. وكنت أمر في صحائفه الأولى على كلمات ترمز إلى غير هدى، فأقول: إن في اللغة كناية ومجازًا، ومعميات وألغازاً، ولعلها شغفته حباً حتى تخطى بها المقامات الأدبية، إلى المباحث العلمية، وما نشبت أن جعل المعاني الجامحة عن سواء السبيل تبرح عن خفاء، وتناديها قوانين المنطق فلا تعبأ بالنداء. وكنت -بالرغم من كثرة بوارحها- أصبّر نفسي على حسن الظن بمصنفها، وأرجو أن يكون الغرض الذي جاهد في سبيله عشر سنين حكمة بالغة، وإن خانه النظر فأخطأ مقدماتها الصادقة. وما برحت أنتقل من حقيقة وضّاءة ينكرها، إلى مزية مجاهد خطير يكتمها، حتى أشرف على خاتمته، وبرزت نتائجه، وهي أشبه بمقدماته من الماء بالماء، أو الغراب بالغراب.
فوَّق المؤلف سهامه في هذا الكتاب إلى أغراض شتى، والتوى به البحث من غرض إلى آخر، حتى جحد الخلافة، وأنكر حقيقتها، وتخطى هذا الحد إلى الخوض في صلة الحكومة بالإسلام، وبعد أن ألقى حبالاً وعصيًّا من التشكيك والمغالطات، زعم أن النبي - عليه السلام - ما كان يدعو إلى دولة سياسية، وأن القضاء وغيره من وظائف الحكم، ومراكز الدولة ليست من الدين في شيء، وإنها هي خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها. ومسَّ في غضون البحث أصولاً لو صدق عليها ظنه، لأصبحت النفوس المطمئنة بحكمة الإسلام وآدابه مزلزلة العقيدة، مضطربة العنان.
كنا نسمع بعض مزاعم هذا الكتاب. من طائفة لم يتفقهوا في الدين، ولم يحكموا مذاهب السياسة خبرة، فلا نقيم لها وزناً, ولا نحرك لمناقشتها قلماً، إذ يكفي في ردها على عقبها صدورها من نفر يرون الحط في الأهواء