من تتبعهم لاستعمالات المضارع، ومحاولتهم تعليل خروجه على قاعدة البناء في الأفعال، فألحقوه بالأسماء في العلة، وكذلك قياس فاء خبر الموصول على فاء جواب الشرط.
وأيضاً تعليل عمل (لا) التي تنفي الجنس عمل (إنَّ) بأن كلتيهما تفيد التوكيد، مع فارق أن (لا) لتأكيد النفي، و (إنَّ) لتأكيد الإثبات. فقد أثبت القدماء تفرقة بين (لا) و (إنَّ) تُضعف وجه الشبه بينهما عملاً، وذلك أن (لا) غير عاملة في الخبر. بخلاف (إنَّ)، أو أن (لا) ركبت مع الاسم النكرة بعدها، فصارا شيئاً واحداً، وأما (إنَّ)، فإنها لا تركب مع الاسم يعدها. "الإنصاف"(١/ ١٩٥).
وبذلك يظهر أن هذه الأمثلة القياسية هي من صنع النحاة، لا من وضع العرب أنفسهم. فقد نطق العرب باللغة، دون أن يكون منهم أدنى ملاحظة تقيس ظاهرة نحوية على أخرى.
ثم هذا الضرب الذي خصه الأستاذ الخضر بالأصوليين، أليس فحواه توسيع الدلالة في بعض ألفاظ اللغة؛ لتشمل مجموعة من الإطلاقات الجديدة على أساس مجازي؟
ومثل هذا العمل اللغوي يمارسه الأصوليون، وغير الأصوليين متى لوحظت العلاقة المجازية التي تربط بين مفهوم ذي لفظ موضوع، ومفهوم آخر جديد يحتاج إلى لفظ يدل عليه. ومن هذا القبيل: إطلاق ألفاظ: (قطار، وسيارة، وطائرة)، وسائر ما يدل على المفاهيم المستحدثة في اللغة، فقد اكتسبت هذه الألفاظ معانيها الجديدة بوساطة توسيع الدلالة على أساس مجازي، ومن البين أن هذا التوسيع لم يقم به الأصوليون.