رد كاتب المقال قولَ المفسرين: إن المشار إليه هو الماء؛ بأن هذا يقتضي أن لا يكون لاسم الإشارة مرجع غير الماء، وليس في النظم ما يدل عليه، وذلك شيء تأباه قواعد اللغة.
أما نحن، فنعلم أن المشار إليه هو الماء المعبّر عنه بقوله:{مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}[ص: ٤٢]، وليس هذا الموضع من المواضع التي يحتاج فيها اسم الإشارة إلى مرجع يتقدم ذكره.
ذلك أن اسم الإشارة قد يستعمل مشاراً به إلى محسوس مشاهَد للمتكلم والمخاطب، وهذا وجه استعماله الحقيقي، فتقول لمخاطبك مشيراً إلى كتاب حاضر بين أيديكما: هذا كتاب قيم، وتقول له مشيراً إلى ماء جار: هذا ماء عذب.
وقد يستعمل اسم الإشارة مشاراً به إلى أمر معقول، أو غائب، واستعماله في كل من هذين المعنيين مجاز، وفي هذين الموضعين يحتاج اسم الإشارة إلى مرجع يذكر فعله؛ كأن تتحدث عن غائب الحضرة، وتقول: ذلك كتاب مفيد، أو تتحدث عن أمر معقول؛ كالحلم، والكرم، وتقول: هذا خلق شريف.
ومن البيِّنِ أن اسم الإشارة في الآية مستعمل في أمر يراه المتكلم والمخاطب، وهو الماء، فلا يحتاج إلى مرجع يتقدمه كما ظن صاحب المقال.
قال كاتب المقال في تأويل قوله تعالى:{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ}[ص: ٤٣]: "أي: هدينا أهله، فآمنوا به، واستجابوا لدعوته، وهدينا له مثلهم من غير أهله، فليس المراد بالهبة هنا: هبة الخَلْق والإيجاد، بل