من البلاء، ثم التذكيرُ بأن عاقبة الصبر فَرَجٌ بعد شدة، وسَعَة بعد ضيق، وسلامة بعد مرض، فأي بُعد في أن يقص الله على خاتم أنبيائه والذين آمنوا معه أن أيوب - عليه السلام - ابتلي بشدة من المرض، ووحشة من ابتعاد الأهل، فتلقى المصيبتين بسكينة، وأقام عليهما في صبر جميل، فكان عاقبة صبره وسكونه تحت سلطان القضاء أَنْ بدَّله بالمرض صحة، وبتفرق شمل أهله جمعاً.
وإن كلاً من الشفاء بعد السقم، وملاقاة الأهل بعد التفرقة، لنعمةٌ كبيرة يقدرها من قاسى الأمراض حيناً من الدهر، وتجرع مرارة الابتعاد عمن يعز عليه من الأهل.
ثم إن في الخلاص من المرض، والتمتع بالصحة قوةً على النهوض بأعباء رسالته، كما أن لخروج الداعي، وهو محفوف بأمة نبيلة من عشيرته الأقربين أثراً كبيراً في نجاح دعوته.
يهتم الأنبياء - عليهم السلام - لأن يهدي الله بهم، ونتيقن أن معظم اهتمامهم موجه إلى هذه الغاية، ولكنهم يقدرون نعماً أخرى فلا يفوتها أن تأخذ حظاً من اهتمامهم؛ فقد أثنى إبراهيم - عليه السلام - على الله تعالى بما يهب له من نعمة الشفاء بعد المرض، فقال:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء: ٨٠]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما حضرت ابنَه إبراهيمَ - عليه السلام - الوفاةُ:"وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"(١)، ومن يحزن لفراق ولد أو أهل، فشأنه أن يهتم لوجودهم، ويعد هبتهم له نعمة يجب أن تقابل بالشكر.