بوزارة الخارجية الألمانية، وكان يتحدث مع شاب ألماني باللغة الألمانية، ثم أقبل مدير الأمور الشرقية على الشيخ: وقال له: أليس هكذا يقول ابن خلدون: إن العرب أبعدُ الناس عن السياسة؛ فنظم الشيخ في هذه الحادثة أبياتاً يقول فيها:
عَذِيريْ منْ فَتًى أَزْرَى بقَومي ... وفي الأهواءِ ما يَلِدُ الهُذاءَ
سلوا التاريخَ عن حُكْم تَمَلَّتْ ... رَعاياهُ العدالةَ والرَّخاءَ
هو الفاروقُ لم يُدْرِكْ مَداه ... أميرٌ هَزَّ في الدُّنيا لِواءَ
وأدركه عيدُ الفطر في "برلين"، فقال:
يَوْمَ عيدٍ وما تَفتّقَ كِمٌّ ... عن أَنيسٍ ولا كَسَمِّ الخياطِ
لو تقاضيتُ في اغترابيَ أَمْراً ... نهضَتْ همَّتي له ونَشاطي
لأَدَرْتُ العِنانَ نحوَ دمشقٍ ... وحَمِدْتُ السُّرى على الأشواطِ
وعاد إلى الآستانة، فوجد أن خاله المكي قد توفي بها قبل قدومه بنحو شهرين، فرثاه بما في "الديوان"(ص ١٨٠)؛ ثم ضاقت به العاصمة العثمانية على سعتها، وصرفه عنها وعن عظمتها يومئذ ما كان يشعر به من الشوق إلى دمشق، حتى تمكن من الوصول إليها، والاستقرار فيها. غير أنه ما لبث أن ناله شُواظ من شرور السفاح الجنكيزي أحمد جمال باشا، الذي لم يسلَم فاضلٌ من شره، فاعتقل في رمضان سنة ١٣٣٤ هـ وكان في زنزانة واحدة هو والأستاذ سعدي بك الملا، الذي تولى رئاسة الوزراء اللبنانية بين الحربين العالميتين، وكانت جريرة سعدي بك الملا: أنه كان سكرتيراً لشكري باشا