وكان هذا الاختيار تحقيقاً للأخوة الإِسلامية في الدستور الإِسلامي، وبرهاناً من الله -عَزَّ وَجَلَّ- على أن من كان مع الله، كان الله معه، وعلى أن من عاش يؤثر الآجلة على العجلة عند اختلافهما، فإن الله يكافئه بخير مما يطمع فيه الذين يؤثرون العاجلة على الآجلة.
ولما أضعفته الشيخوخة عن مواصلة الاضطلاع يحمل هذه الأمانة، عاد إلى منزله يواصل العكوف على الكتب والكتابة والتفكير، حتى لقد نظم ديواناً آخر كله مقطعات في الحكمة والخواطر التي تحوم حول الحق والخير.
وفي يوم ١٣ رجب مساء اختاره الله إليه، وهو لا يزال على عهده الأول من {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت: ٣٠]، فكان جديرًا بما وعد الله به أمثاله أن {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت: ٣٠]. وفي ظهر اليوم التالي صُلي عليه بعد الفريضة في الجامع الأزهر، ومشى في موكب جنازته علماء الأزهر، وأعيان الأمة، والمنتسبون إلى العلم، حتى بلغ النعش باب الخلق والموكب متصل فيما بينه وبين الأزهر، ودفن بجوار صديقه أحمد تيمور باشا بوصية منه، رحمهما الله وصالحي المسلمين، وتغمدهم برحمته.