وإن تونس المعتزة اليوم بما حققته من انتصارات، وما بلغت إليه من تقدم، لتعتز أيضاً بأن لها في ماضيها البعيد والقريب، بل وفي حاضرها الماثل، رجالاً أفذاذاً في شتى ميادين الكفاح والنضال، وفي جميع نواحي الحياة الفكرية والأدبية والاجتماعية.
فمنذ فجر يقظتها، وهي تلد الأفذاذ والعباقرة، كما تلد الأبطال والنبغاء في كل الميادين.
وها أنا أختار رجلاً واحداً من أولئك الأفذاذ النبغاء، الذين أنجبتهم هذه التربة الولود، رجل جمع إلى الذكاء والجد والحصافة والنبوغ، صفاتِ الشهامة والبطولة والإخلاص الوطني.
هذا الرجل هو الشيخ الإمام المرحوم محمد الخضر حسين، الذي سأكتفي بتقديمه في إطار تاريخي وتحليلي عام، قصدَ التعريف به، والترجمة له.
وسيرى القارئ أن حياة الشيخ ونضاله وتراثه الديني والأدبي واللغوي تحتاج كلها إلى مجلدات.
ولئن كان العمل الشامل المفصل هو من واجبات المتفرغين للبحث، أو الراغبين في التخصص، فإن في هذا العمل المحدود -والمحدد لمعالم شخصية الشيخ محمد الخضر، وحياته الغنية جميعاً بالإنتاج والنضال- ما يمهد لمثل هؤلاء الدارسين سبل البحث والتوسع والاستقصاء.
وبالفعل فقد كان لقسم كبير من هذه الدراسة أثر عند كثيرين ممن اطلع عليه حين نشره، حلقاتٍ، بجريدة العمل التونسية سنة ١٩٦٩.
وهذا القسم المنشور، قد حافظنا عليه كما نشر تقريباً، إلا ما اقتضته