للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقياهم وسماع أخبارهم، ولا غرو في ذلك، فهو قد نظم في موضوع الصداقة والأصدقاء أكثر من عشر قصائد، تعرض في بعض منها إلى أهمية الصداقة، ودورها في حياة الإنسان، وتعرض في البعض الآخر إلى خصال بعض أصدقائه، وصلاته المتينة بهم، وخاصة منهم: الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي أفرد له مقطوعات وقصائدَ عديدة تبين مدى الود الذي كان يربط بين الرجلين، والمحبة الخالصة التي كانت تجمع بينهما.

وكما كان الشاعر محباً لأصدقائه، فقد كان محباً -أيضاً- لأمته، مخلصاً لها، محضها الود والإخلاص، والرشدَ والنصيحة طوال حياته، فبعد وعد بلفور المشؤوم في نوفمبر ١٩١٧ م، بدا تألُّم الشاعر وتحسّره على ما آلت إليه فلسطين من عصابات الإجرام اليهودية، الذين نخروا في جسمها كالسوس بالمال والمؤامرات والرشاوى، وشراء المواقف في المحافل الدولية، واستنكرَ تباطؤ العرب وتخاذلَهم في نصرة إخوانهم الفلسطينيين بالمال والسلاح، فقال:

لا تُنجِدُوهُمْ بالتَحَشُرِ وَحْدَهُ ... إنَ التَحَشُرَ لا يُزيحُ عَناءَ

لا تنهَضُ الأوطانُ من كَبَوَاتها .... إلّا على أيدٍ تَفيضُ سخاءَ

ما سادَ قومٌ أُشْرِبوا شُحّاً وإنْ ... بَلَغوا السّماءَ شَجاعةً وذَكاءَ (١)

أمِنَ المُروءةِ أنْ ننُادَى للّتي ... فيها النَّجاةُ ولا نُجيبُ نِداءَ

بسطَ اليهودُ إلى اليهودِ أكُفَهُمْ ... بالمالِ مِنْ بَيْضاءَ أوْ صَفْراءَ (٢)


(١) الشُّح: البخل مع الحرص.
(٢) البيضاء: الفضة. الصفراء: الذهب.