وبمثل هذا حاول دفع ما أوردناه من ابتلاء إبراهيم - عليه السلام - بذبح ابنه، فقال:"ذلك شأن ذكر على سبيل الاستطراد، ولم يكن هو كل ما حدثنا بها القرآن عن إبراهيم، ولم يذكر القرآن قصة الذبح مستقلة، بل جاءت كتتميم عقب حديث عن أمر دعوته إلى قومه".
والحق أن مدار قصص القرآن على العبرة والحكمة، ولا فرق بين ما يورده مستقلًا، وما يورده عقب حديث عن أمر الدعوة، أو في طريق الحديث عن رسول آخر؛ كما أنَّه لا فرق بين ما يتصل بالدعوة، وما يتصل بغيرها من أسباب المجد أو السعادة.
ثم ذهب صاحب المقال في قصة الذبيح مذهباً آخر، وهو عدم التسوية بين من أمر بذبح ابنه، فسارع في امتثال الأمر مسلماً بقلبه، وبين من مرض، فراح يدعو ربه؛ كما قال - تصريحاً أو تلويحاً -, وقال:"إن ذبح الابن لمما لا يتحمله إلا الأنبياء".
موضوع البحث: هل القرآن يقص من أحوال الأنبياء ما لا يتصل بالرسالة والدعوة؟ أما أن هذا الحال أشد، وأن هذا الحال أخف، فخارج عن موضع البحث.
ثم إن قتل الولد إن نظرنا إليه في نفسه، لم نجده مختصاً بالأنبياء،
فإنا نجد كثيراً من الآباء قد تلابسهم شهوات، فتتغلب على عواطفهم، فيقتلون أولادهم، وإن نظرنا إليه من جهة فعله عن أمر الله، لم نستطع أن نقول: هذا لا يحتمله إلا نبي، فإنه يرجع إلى قوة الإيمان, وإسلامِ القلب إلى الله، ولا نشك في أن عمر بن الخطّاب، أو أبا بكر الصديق، أو غيرهما من صادقي الإيمان لو أتاه أمر من الله بذبح ابنه، لفعل ما أمر به على وجه يُعد به عند الله