وإنا إذا قدمنا الله عن أول المعنيين، كان أولى أن نقدسه عن الثاني؛ فإن شرع الحيل تعليم للمراوغة، وقضاء على الأعمال أن تكون صوراً خالية من "رواحها".
لو نظر صاحب المقال في المعنى الذي يقوله المفسرون من جهة أنه المعنى الذي اتفق عليه علماء الإِسلام من مفسرين ومحدثين وفقهاء، لخفف شيئًا من هذه النزعة، وتناول بحثه في شيء من الهوادة، شأنَ الباحثين الذين يعرفون أن رمي أولئك العلماء قاطبةً بأنهم نسبوا إلى الله ما لا يليق به، ليس بالأمر الهين الذي تكفي فيه حركة لسان، أو جرة قلم.
ولو ألقى صاحب المقال نظرة على كتب السنَّة، لوجد فيها شيئاً يدعوه إلى التثبت فيما يكتب، يجد فيها أحاديث مسندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صريحة في أن الضعيف الذي لا ترجى له صحة، ويثبت عنه الزنا، ويخشى من جلده مئة جلدة الهلاك، أن يُضرب بعُثكول فيه مئة شِمراخ ضربةً واحدة، ولم يطعن في هذه الأحاديث أحد بأنها نسَبت إلى الله، أو إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا يليق به.
وهذا الحكم الذي تضمنته هذه الأحاديث قد قرره جمع عظيم من أئمة الدين؛ كالحنفية، والشافعية، والحنابلة، واتخذوه مذهباً.
ولا أورد هذا على معنى أنه حجة قاطعة عن البحث، وإنما أريد: أن أمرًا اتفق عليه المفسرون على اختلاف مذاهبهم، ووردت بمثله أحاديث قالوا في بعضها: إن رجاله رجال الصحيح، وقرره جمع عظيم من أئمة الدين في مذاهبهم، لا ينبغي لذي علم أن يهاجمه من غير أن يُعِدَّ له قوة.
والحق أن لله تعالى أن يشرع من الأحكام ما يرى الحكمة في شرعه، وله أن يغير حكماً أشدَّ إلى ما هو أخفُّ إن قضت الحكمة التخفيف، وليس