والذين يرون الإصلاح عقيدة وعبادة وتربية فقط، يتجنّون عليه.
وها هو ذا الإمام محمد الخضر حسين الذي لا يرتاب أحد في سعة علمه، وانفتاح ذرعه، يخوض لُجج السياسة، فيكتب عن الحرية، ويتصدى لمن زعم أن الإسلام لا شأن له بالحكم وسياسة أمور الناس، ولا يكتفي في ذلك بالقول والكتابة، ولكنه يضرب بسهمه في تأسيس الجمعيات والهيئات السياسية، ويجري الاتصالات مع الدول، والمؤتمرات والمنظمات السياسية، ويؤمن بالحرب لدفع الظلم، وردّ العدوان، واسترجاع الحقوق المغتصبة، من غير تهوّر بإلقاء الناس إلى التهلكة، وزجِّهم في معركة لم يُعَدَّ لها، ولم تتَّخذ أسبابها.
إن الإصلاح عند الإمام محمد الخضر حسين وأمثاله من العلماء المصلحين فكرة ثابتة؛ لأنها لبّ الدين، وغايته، ولكن وسائل الإصلاح تتعدد بتعدد ميادينه، وتتجدد حسب الظروف المحيطة والإمكانات المتوفرة، والكيِّس من فَقِه ذلك، وعمل على ضوء ذلك الفقه.
لقد كان الإمام محمد الخضر حسين يجمع في انسجام تام، وفي تناغم جميل بين الإصلاح، السلفية المتنوِّرة، والتصوف السنّي، وهذا ما يحتاجه المسلمون في كل عصر، وخاصة في هذا العصر.
أمطر الله شآبيبَ رحمته على هذا الإمام الجليل، الذي لم يحضر ذكراه أحد من كبار المسؤولين؛ ربما لانشغالهم بالإعداد لـ ... ولعل عدم حضورهم من علامات قبول الله لهذا الصالح، وأمارات رضوانه عنه.