كتاب تاريخ، وإنما هو كتاب إرشاد؟ وليقل لنا: بماذا يسمّى ما قصه علينا القرآن من تاريخ الأنبياء؛ وهل التاريخ إلا إرشاد مبين وعبرة بالغة؟ ".
إذا قلنا: إن القرآن ليس بكتاب تاريخ، فلأنه أنزل ليعظ الناس، ويعلمهم الحكمة، وإذا أخبر ببعض شؤون من مضوا من الرسل وغيرهم، فلِما فيها من حكمة أو عبرة. أما المؤرخ، فإنَّه يقصد لتدوين أخبار الأفراد أو الدول أو الأمم، ولا يبالي أن يسوق من الأخبار ما لو عصرته لم تجد فيه شيئاً من العبرة أو الحكمة.
ثم قال صاحب المقال في رده: "ويقول هذا الكاتب: قد يسوق القرآن من القصة شيئاً هو موضع عبرة، وإنا نسائله، ونلُحف في سؤاله: ما هي تلك العبرة في أن حلف أيوب أن يضرب أحدًا من الناس ضربًا قد شق عليه تنفيذه، فاحتاج إلى تلك الحيلة للخلوص منه، أفي مثل هذه دلالة على صبر، أو على شجاعة، أو على أي فضيلة من الفضائل؟ إن مثل هذا إن دلَّ على شيء، فإنما يدلّ على خلق لا يليق بخواص الناس، فضلًا عن الأنبياء؛ إذ الاندفاع بأذى غير محتمل، شر، وشر منه الحلف على ذلك الوعيد".
إذا صدر من شخص قول أو فعل، فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يستحق جزاء على هذا القول أو الفعل، وقدر الجزاء بأسواط معدودة، ثم شرع الله حكماً فيه تخفيف هذا الجزاء، كان في هذا التخفيف رحمة بذلك الشخص، ورحمة بالنبي؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -- وإن كان يرى أن ما حلف عليه من العقاب حق، وأن تنفيذه عدل - قد يتمنى لو أن ذلك الشخص لم يأت ما استحق عليه هذه العقوبة، فإذا خفف الحكم ممن بيده الأمر، ارتاح له، وسرَّه أن كان هو، أو هو وأتباعه مظهراً لتلك الرحمة الأزلية.