ورجع لزاويته بنفطة. وكان ما كان من الاغترار بالأمان، فتغير الشيخ، وأصبح من النادمين من أجل ذلك، والمؤمن لا يلدغ من جُحْر مرتين.
وكان تقياً، نقياً، فقيهاً، صوفياً، قسم حياته بين تلاوة وذكر، ونظر في الملكوت بإعمال فكر، ووعظ وإفادة، وإخلاص في التهجّد والعبادة، وهداية إلى طرق السعادة، وإصلاح ذات البين، داعانة المحتاجين، ورحمة المساكين، وهداية الضالين، وإلى غير ذلك من أخلاق الصالحين.
وكان -رحمهُ الله- فصيح اللسان، بليغ البيان في أسرار آي القرآن، صاحب ذوق في مقام العرفان، متواضعاً على رفعة هذا الشأن. يرشح وعاؤه بالرحمة والرأفة والحنان، يحب الخير لكل إنسان، داعياً لعباد الله بالهداية والإيمان والإحسان، ما شئت من محاضرات أبرار، ومطالع أسرار وأنوار، وزهد أخيار.
ولم يزل على حاله، ناظراً لمآله، يحاسب نفسه عن دقائق أعماله، ولقاءُ الله أحبُّ آماله، إلى أن أحب الله لقاءه ليلة الاثنين، آخر ذي الحجة سنة (١٢٨٢ هـ، ١٤ ماي ١٨٦٦ م)، ودفن بزاويته بنفطة. وترك الدنيا وأهل عصره يثنون عليه بخير. والآخرة خير -رحمه الله-.
* حول مدينتي "نفطة"، و "توزر":
"بَلدَان صِنْوان، وأختان توءمان جاثمان وسط رمال الصحراء، بين شط الجريد وشط الغرسة، ودُورُهُما مبنية بالآجر، وقد خطت على جدرانهما أشكال هندسية تجدها مرسومة بالزاربي، والمناطق (ج نطاق) الحريرية المزركشة التي تصنع هناك. يشرب أهلها من العيون النضاخة المنبجسة من الرمال، فتسقي واحتيهما الفاتنتين (...).