ومن المغتابين من يعتذر من قبيح صنعه بأنه إنما ذكر الرجل بما فيه، وذلك عذر لا ينجيه، كما بيّنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: "أتدرون ما الغيبة؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال:"إن كان في أخيك ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه، فقد بهتّه"؛ أي: افتريت عليه.
فالمغتاب لا يخلو من الإثم الكبير، والذنب العظيم؛ لأنه لا يبرح بين الإيذاء والافتراء.
وقد حكى القرطبي وغيره الإجماع على أن الغيبة كبيرة.
والعجب أن الغزالي يراها أصبحت من الصغائر؛ لشيوعها، وعموم البلوى بها، حتى لا يبرأ منها إلا من عصم الله، وقليل ما هم.
وللرد عليه نقول: إن شيوع الذنب لا يمكن أن يجعله صغيراً، وإلا هانت الآثام، وتبدلت الأحكام، ولا يستقيم استصغار شأن الغيبة مع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في تقبيحها وتغليظ ذنبها.
فالغيبة كبيرة ولا شك، وقد فصل بعض العلماء أمرها تفصيلاً حسناً، فقال: قد يكون منها ما هو صغير بطبعه؛ كعيب الدابة، والثوب، ومنها ما هو من كبر الكبائر؛ كغيبة الناس بألفاظ الفسق والفجور ونحوها مما يؤذي وينقص.
وتجوز الغيبة في الأحوال الآتية:
١ - التجريح والتعديل: وهو تناول رواة الأحاديث والأخبار بنقد أحوالهم، وبيان أخلاقهم؛ حتى يمكن تمييز قولهم، وقبول أخبار الثقات