وبعث الإمام الليث برسالة إلى الإمام مالك معترضاً بعض الأصول التي رآها مالك منزعاً للشريعة، وأجابه مالك برسالة ذكر فيها وجه ما ذهب إليه، وسنده، وقد تجلى في الرسالتين احترام كل منهما لصاحبه، ورعاية أدب البحث والنقد، فلم يخرجا عن موضوع بحثهما، ولا مسَّ أحد منهما كرامة الآخر.
وهاك نموذجاً من رسالة الليث للإمام مالك - رضي الله عنه - يناقشه في مسائل اختلف فيها أهل المدينة وغيرهم من أهل الأمصار، فاستفتح الرسالة بقوله:
"سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد: عافانا الله وإياك، وأحسن لنا العاقبة في الدنيا والآخرة، قد بلغني كتابك تذكر فيه من صلاح حالكم الذي يسرّني، فأدام الله ذلك لكم، وأتمه بالعون على شكره والزيادة من إحسانه".
ثم انتقل إلى سرد المسائل التي فيها الخلاف في أسلوب يتحلى بالوقار والإجلال حتى ختم الرسالة بقوله:
"وأنا أحبّ توفيق الله إياك، وطول بقائك، لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة، وما أخاف من الضيعة إذا ذهب مثلك، مع استئناسي بمكانك وإن نأت الدار.
فهذه منزلتك عندي، ورأي فيك، فاستيقنه، ولا تترك الكتاب إليّ بخبرك وحالك، وحال ولدك وأهلك، وحاجة إن كانت، أو لأحد يوصَلُ لك، فإني أسرّ بذلك. والسلام عليكم ورحمة الله".
وصحب الإمام الشافعي الإمام مالكاً مدة، وأخذ عنه "الموطأ"، وكثيراً من الفقه، ومخالفته لآراء مالك في الشريعة لا تقدح في أقواله المشتملة على