للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومدح ابن مرزوق ابن عرفة بأن عادته الإنصاف في المذاكرة.

ودخل عالم توزر (١) الشيخ إبراهيم أبو علاق جامع الزيتونة، فوجد أستاذنا سالماً أبا حاجب في أحد الدروس، فباحثه الشيخ أبو علاق حتى أبرمه، وهو لا يعرفه، فدعا ملاحظ المسجد لإخراجه، فخرج الشيخ أبو علاق، وابتدأ قصيدة قال في مطلعها:

تقاصرت مذ أبدى التطاول سالم ... وسالمت والقاصي المكان يسالم

فلما سمع الأستاذ القصيدة، وعرف أنه من العلماء الأدباء، ذهب إليه، واعتذر له، وأكرمه، واستمرت الصحبة بينهما.

والكاتبون في تراجم العلماء يقولون عند تزكية كثير من العلماء: "إن فلاناً لم يقل في أحد سوءاً"، وهذا كثير في "الشقائق النعمانية". ومن لم يقل في أحد سوءاً، كسب حمد الناس ومحبتهم، سواء أكان من العلماء، أم من غيرهم.

ومن خلق العلماء الراسخين تقريبُ إخوانهم من الحاكم الذي يختصهم بمودته؛ كما صنع أبو بكر محمد بن الطفيل إذ قرب القاضي الحفيد ابن رشد وغيره من العلماء المحققين من الخليفة يوسف بن عبد المؤمن، وكما فعل الحافظ ابن حجر إذ نوّه بشأن الأستاذ محمد بن يحيى الأندلسي عند الأشرف، فأقبل عليه، وولاه قضاء المالكية بالقاهرة.

فتلك الأمثال تبين ما كان عليه العلماء من السلف الكريم من التآخي والمحبة والإيثار، وتلك طبيعة العلم إذا تمكن من الروح، ولم يكن نظرياً


(١) مدينة تونس.