خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وأمتعه بنعمة العقل، وهي من أجل ما ينعم به الخالق الحكيم. أمتعه بنعمة العقل؛ ليهتدي به إلى الحياة الطيبة، وما الحياة الطيبة إلا أن تعرف النفوس مُنشئها ومصيرها حق اليقين. تعرف منشئها؛ لتقوم بما يستحقه من التعظيم والإجلال، وتعرف مصيرها؛ لتعدّ له ما تستطيع من صالح الأعمال. ولكن المشاهدات الصائبة، والتجارب الصادقة، والأخبار المتواترة، دلت على أن للعقول حدوداً لا تتعداها، ونظرات قد تنحرف عن قصد السبيل، فتخطئ مرماها، فاقتضت حكمة الله تعالى ورحمته بالخليقة: أن يرشد العقول إلى حقائق لا تصل إليها بنفسها، ويريها قصد السبيل؛ حتى لا تزيغ نظراتها، فبعث الرسل - عليهم السلام - مؤيدين بالآيات البينات، داعين إلى سبيل الحق بابلغ الحِكَم وأحسن العظات.
وما زال الرسل - عليهم الصلاة والسلام - يُبعثون إلى الأقوام الطاغية، فيحاجّونهم، ويعظونهم، ويبشرونهم وينذرون، يهتدي بهديهم أولو الألباب، ويكفر بهم من حقت عليه كلمة العذاب، حتى جاء الزمن الذي خصه الله تعالى بأن يكون مطلع هداية عامة، وشريعة خالدة، ذلك هو الزمن الذي بُعث فيه أفضل الخليقة سيدنا محمد العربي القرشي - صلى الله عليه وسلم -.