وقد يلوح للناظر وجه في تاويل الآية يمكن أن تدل به على أن من الإنس من كان يعبد الملائكة، ومنهم من كان يعبد الجن، وهو أن يقال: لما حضر المشركون من عباد الملائكة والجن والأصنام، وأراد الله تعالى إقامة الحجة على أن غيره لا يستحق أن يعبد، وجَّه الخطاب إلى أشرف من توجه المشركون إليه بالعبادة، وهم الملالكة، حتى إذا تبرؤوا، وتبين بإقرارهم أنهم غير أهل لأن يعبدوا، كان قصور غيرهم عن مرتبة العبادة أولى، وكان جواب الملائكة أن تبرؤوا من الإنس الذين كانوا يعبدونهم، فقالوا:{سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ}[سبأ-٤١]. وبعد هذه البراءة انتقلوا إلى الإخبار بأن أولئك المشركين كانوا يعبدون الجن.
فاسم الإشارة في قوله:{أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}[سبأ: ٤٠]، مشار به إلى جملة المشركين بالنظر إلى أن فريقاً من هذا المجموع كانوا يعبدون الملائكة، والضمير في قوله تعالى:{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ}[سبأ: ٤١] يعود إلى مجموع المشركين بالنظر إلى الفريق الذين كانوا يعبدون الجن، وكلمة {بَلْ} تستعمل في عطف الجمل لمجرد الانتقال من خبر إلى آخر، فهي هنا للانتقال من التبرؤ من الإنس إلى وصفهم بعبادة الجن، ولا غرابة في إطلاق اسم يتناول جماعة، ثم يخبر عنه بأمر صدر من بعضهم لأمر يقتضيه المقام، والأمر الذي اقتضى في السؤال تخصيص عبادتهم للملائكة بالذكر: هو ما أشرنا إليه من أن الملائكة أشرف معبوداتهم، والذي اقتضى في جواب الملائكة ذكر عبادتهم للجن: هو أنه كان شأن أكثر المشركين؛ فإن الذين كانوا يعبدون الأصنام يتعلقون مع ذلك باعتقاد أن من ورائها أرواحأ خفية تتصرف في شؤونهم، وكثرهم يسمون هذه الأرواح بالجن.