للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولعلك تعلم - كما أعلم - أن الذكر الحكيم لم يغادر خلقاً كريماً، ولا أدباً سامياً، إلا نبه على مكانه، وحث على التجمل به. فإذا قرأت في كتاب الله آية ترشد إلى خلق مثل الصبر، أو الحلم، أو الجود، أو الشجاعة، أو العدل، أو الصدق، أو الحياء، أو الزهد، أو الوفاء بالعهد، فاقطع بأن هذا الخلق قد أخذ من نفس سيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام - المكانة التي لم يأخذها في نفس من سبقه من العظماء، ومن جاء بعده.

وإذا قرأت في كتاب الله آية ترشد إلى أدب جميل؛ مثل: استئذان الرجل عند دخول بيت مسكون غير بيته، أو جدال المخالفين بالتي هي أحسن، أو المشي على الأرض هوناً، أو غض الصوت ورفعه عند الخطاب بقدر الحاجة، فتيقن أن هذا الأدب داخل في آداب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لم تكن تاخذه عنها غفلة.

لا أقول هذا مستنداً إلى مجرد أنه المبلِّغ للقرآن، وشان المبلغ للقرآن أن يكون متحلياً بما فيه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، بل أستند إلى هذا، وأستند إلى ما يصفه به القرآن من مثل قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤]. ثم أستند إلى كتب السنة الصحيحة؛ فإنك إذا جئتها، بهرت قلبك بما تقصه عليك من أخلاقه الكريمة، وآدابه الآخذة بالألباب.

فتراه - صلى الله عليه وسلم - يلقى الخطوب بعزم لا يهن، ويحتمل البلاء بصير لا يتزلزل. وحسبك شاهداً على هذا: ما كان يلاقيه قبل الهجرة من أذى المشركين، ثم ما كان يلاقيه في بعض غزواته من شدائد، فلا يكون من ذلك الأذى، ولا تلك الشدائد إلا أن تزيد عزمه صرامة، وصبره قوة.

وتراه - عليه الصلاة والسلام - متواضعاً في غير تصنع، فحاله مع