للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستضعفين يوم كان يدعو الله وحيداً، وسفهاء الأحلام بمكة يسومونه الأذى، هو حاله بعد هجرته، وانتصاره على أعدائه، ودخول الناس في دين القيمة أفواجاً.

ومن المعروف في سيرته: أنه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويعطي كل واحد من جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحداً كرم عليه منه، ولا يقطع عن أحد حديثه حتى يتجوزه (١)، فيقطعه بانتهاء أو قيام. وإذا استقبله الرجل فصافحه، لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرف وجهه. وقال أنس بن مالك: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً، وإن كان ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير! ما فعل النغير (٢)؟ ".

وتراه - صلى الله عليه وسلم - زاهداً في متاع هذه الحياة، غير حافل بزينتها وملاذها. أقبلت عليه الدنيا، ولا سيما بعد فتح مكة، فلم يتحول عن سيرته في المأكل والملبس وأثاث المنزل مثقال ذرة، فهذه عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- تقول: "ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاثة ليال تباعاً حتى قبض (٣) "، وقالت: "ما أكل آل محمد - صلى الله عليه وسلم - أكلتين في يوم واحد إلا إحداهما تمر (٤) "، وقالت: "كان فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - من أدم، حشوه ليف".


(١) يخففه.
(٢) تصغير نغر بضم النون وفتح المعجمة: اسم لنوع من الطير.
(٣) "صحيح الإمام البخاري".
(٤) "صحيح الإمام البخاري".