للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عام البعثة؛ لأنه الحين الذي بزغ فيه كوكب الهداية والعلم. وأشار آخرون بأن يكون مبدأ التاريخ (١) عام الهجرة، فوقع اختيار عمر على هذا الرأي، وقال: "الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها".

اختار الفاروق أن يقام التاريخ على الهجرة الشريفة، وذكر في وجه هذا الاختيار: أنها فرقت بين الحق والباطل، وهذه كلمة تومئ إلى فضل الهجرة، وما كان لها من الأثر في ظهور الإسلام، وإقبال الناس عليه جهرة لا يخشون إلا رب العالمين. كان الحق بمكة مغموراً بشغب الباطل، وكان أهل الحق في بلاء من أهل الباطل شديد، والهجرة هي التي رفعت صوت الحق على صخب الباطل، وخلصت أهل الحق من ذلك البلاء الجائر، وأوردتهم حياة عزيزة ومقاماً كريماً.

وإذا كانت البعثة مبدأ الدعوة إلى الحق، فإن الهجرة مبدأ ظهوره، والعمل به في حالتي السر والعلانية، ولا يبلغ قول الحق غايته، ويأتي بفائدته كاملة إلا أن يصبح عملاً قائماً، وسيرة متبعة، انظروا إلى عمر بن الخطاب كيف يقول لأبي موسى الأشعري في رسالة القضاء: "وإذا تبين لك الحق، فانفذ؛ فإنه لاينفع تكلم بحق لا نفاذ له".

فالهجرة راشت جناح الإسلام، فذهب يحلِّق في الآفاق ليمحو آية الضلالة، ويجعل آية الهداية مبصرة، اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى:

{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ


(١) وهذا رأي علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه - فيما رواه الحاكم عن سعيد بن المسيب.