فإنكم تجدون الآية الكريمة تذكر شيئاً من أمر الهجرة النبوية، وتعد في النعم الجليلة المترتبة عليها: جعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا.
علت كلمة الله حقاً، وإنما علت على كاهل تلك الدولة التي قامت بين لابتي (١) المدينة، وبسطت سلطاناً لا تستطيع يد المخالفين أن تمسه من قريب ولا من بعيد.
ومن حسنات الهجرة: تلك الأحكام المدنية، والنظم القضائية، والأصول السياسية؛ فإنها كانت تنزل بالمدينة حيث أصبح المسلمون في كثرة، وصاروا من المنعة بحيث يأخذونها بقوة، ويقومون على إجرائها يوم تنزل والناس يشهدون، ولو كان آخر عهد الوحي يشبه أوله، لم يزد الإسلام على أن يكون دعوة إلى عقائد وأخلاق، وشيء من العبادات.
فالهجرة النبوية كانت مبدأ عظمة الإسلام، ومطلع حرية الأمة الإسلامية، فإذا أقمنا لذكرها هذه الحفلة السنية، فإنما نحتفل بذكرى اليوم الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل، واليوم الذي استقل فيه المسلمون بأمرهم، ونالوا به الحرية في عبادة ربهم، وسعادة الأمة أن تسلم من كيد خصومها، وتقيم واجبات دينها، ولا تُغلب على حق من حقوقها.
(١) اللابة: الحَرّة، وهي أرض ذات حجارة نخرة سود - "القاموس".