القلوب جلالة، فما شئتم من أخلاق عظيمة، وحكم غزيرة، وهمم خطيرة، وأعمال جليلة، فهو الرسول الذي بعثه الله تعالى لإبلاع شريعته المحكمة، وجعله المثل الأعلى لأقصى ما يبلغه البشر في مراقي الكمال والعظمة.
ومن أجل هذا عهد الله إلى الناس كافة أن يقتدوا بسنته، ويعملوا للسعادة على سيرته، فقال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]
تتناول الآية الكريمة كل ما يتحلى به - صلى الله عليه وسلم - من محاسن الشيم، أو يصدر منه على أنه شرع سماوي، إلا ما علم أنه مختص به؛ كالوصال الذي هو إلحاق الليل بالنهار في الصيام، أما ما يفعله على وجه العادة أو الجبلة، دون أن يظهر فيه معنى للتشريع؛ كالقيام والقعود في بعض الأمكنة أو الأزمنة، وكتركه كل بعض الأطعمة مع تصريحه بإباحتها، فذلك ما لا يتناوله طلب التاسي به، وإن كان عبدالله بن عمر لا يدع التأسي في مثل هذا ما أمكنه.
وقد يختلف أهل العلم في بعض ما يفعله - عليه الصلاة والسلام -، فيذهب قوم إلى أنه فعله على وجه التشريع، ويذهب آخرون إلى أنه وقع على سبيل العادة.
ومثال هذا: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرسل شعر رأسه إلى أذنيه، فقال بعض أهل العلم؛ كأبي بكر بن العربي: إنه من قبيل الهيئات المشروعة، فالحالق لشعر رأسه يعد تاركاً لما هو سنة، وقال كثير منهم: إنه من قبل العادات التي يأخذ فيها كل قوم بما يجري في وطنهم أو زمانهم.
ولو تفقهنا في هذه الآية الكريمة، لانكشف عنا ظلام البدع والمحدثات؛ ذلك أننا نتعرف سيرة رسول الله من طرق الروايات الصحيحة، ونتأسى بها في التقرب إلى الله، فلا نتعدى حدودها لإحداث ما لا يصح أن يكون