أما احتفالنا بذكرى مولده الشريف، فإنا لم نفعل غير ما فعله حسان ابن ثابث - رضي الله عنه - حين كان يجلس إليه الناس، ويُسمعهم مديح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شعر، ولم نفعل غير ما فعل علي بن أبي طالب، أو البراء بن عازب، أو أنس بن مالك - رضي الله عنه - حين يتحدثون عن محاسن رسول الله الخُلُقية في جماعة.
ليس في استطاعتي أن أفصل القول في السيرة النبوية التي أرشدت الآية إلى اقتفائها، وإنما أنبه على ناحيتين، ترينا إحداهما: كيف كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يطيع الخالق بإخلاص، وترينا أخراهما: كيف كان يعامل الناس في نصح، ويسوسهم في حكمة ورفق.
نقلب الوجه في طريقته المثلى، فنجده قد أسلم وجهه للخالق، واستقام على طاعته آناء الليل وأطراف النهار، فكان يتهجد في حجرته كما يتهجد في المسجد، ويعبد الله خالياً كما يعبده في جماعة، ويبتغي رضوانه في السر كما يبتغيه في العلانية.
ونحن نعلم أن من أمهات المؤمنين من كان أبوها من أشد الناس إيماناً به، وإجلالاً لقدره؛ كعائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، ومنهن من كان أبوها من أشد الناس عداوة ومحاربة له؛ كأم حبيبة بنت أبي سفيان، فلو لم يكن يقوم الليل على الدوام كما فرض عليه القرآن، لعلم به المخلصون في صحبته، ودخلهم الريب في صحة دعوته، أو علم به خصومه الألداء فوجدوا في أيديهم ما يطعنون به في صدق نبوته.
نحول النظر إلى موققه تجاه الخالق حين تمسه الضراء، فنراه كالعلم