للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما التواضع، فقد قال أنس بن مالك: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خُلُقاً، وإن كان ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ ". فالذين يخرجون للناس في وجوه عليها غبرة الكبرياء إنما يلقون قلوباً نافرةً، وألسنةً ساخرةً، ولقد كان لهم في رسول الله أسوة حسنة لو شاؤوا أن يكونوا أجلاء محترمين.

وأما الرحمة، فقد قال تعالى في كتابه الكريم: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]، وحدثنا عن هذه الرحمة مالك بن الحويرث إذ قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن شَبَبَة (١) متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أننا اشتقنا أهلنا، وسألَنا عمن تركنا وراءنا من أهلنا، فأخبرناه، وكان رقيقاً رحيماً، فقال: "ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم، ومروهم، وصلُّوا كما رأيتمُوني أصلي".

٢ - طائفة المنافقين: وهؤلاء كان - عليه الصلاة والسلام - يعاملهم بما يشبه معاملة المهتدين من الرفق بهم، والإحسان إليهم، ومقابلة إساءتهم بالعفو. نقرأ في السيرة: أن طائفة منهم هموا بقتله في طريق إيابه من غزوة تبوك، وخاب سعيهم بما أوحى الله إليه من أمرهم، فقال بعض المسلمين: ألا تأمر بهم يا رسول الله فنضرب أعناقهم؟ فكان جوابه أن قال: "أكره إن يقول الناس: إن محمداً قد وضع يده في أصحابه".

٣ - طائفة المخالفين المسالمين: وهؤلاء يلقاهم بالجميل، ويقسط إليهم، ولا يهضم لأحد منهم حقاً، يأخذ فيهم بأدب قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ


(١) جمع شاب.