الشريف، قال الإمام علي - رضي الله عنه -: إنا كنا إذا حمي البأس، واحمرت الحدق، اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال: ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أقربنا إلى العدو.
ومما قرأنا في غزوة أحد: أن أبا سفيان جمع جيشاً من قريش وأحلافهم، وأقبل بهم إلى حرب رسول الله في المدينة، فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم -أصحابه: أيخرج إليهم، أم يمكث في المدينة؟ وكان رأيه أن يتركهم حتى ينفذوا إلى المدينة، فيقاتلهم المسلمون في أفواه أزقتها، فبادر جماعة من أفاضل الصحابة، وطلبوا الخروج إلى العدو بإلحاح، فنهض - صلى الله عليه وسلم -، ودخل بيته، ولبس لامته. وخرج عليهم، وقد انثنى عزم أولئك الذين كانوا قد ألحوا عليه في الخروج، وقالوا له: إن أحببت أن تمكث في المدينة، فافعل، فقال:"ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه".
هذه الكلمة لا تصدر إلا من قلب ملؤه الشحاعة، وفيها شاهد على أن اختياره للمقام بالمدينة حتى ينفذ إليهم العدو، لم يشبه خاطر التهيب من لقائهم، وإنما هو الرأي والمكيدة في الحرب.
"ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه ويين عدوه".
هذه الكلمة لا يقولها إلا من نهض ليقضي حياته في الجهاد، ووجد بين جنبيه شجاعة يصغر أمامها كل عظيم، وكذلك كان المصطفى- صلوات الله عليه-، يحتقر كل ما يسميه الناس خطراً، ويثبت في وجه كل ما تتزلزل له أقدام الأبطال رهباً، وهل يتوارى عن الموت، أو يقطب عند لقائه من يتيقن أن موته إنما هو انتقال من حياة مخلوطة بالمتاعب والمكاره، إلى حياة أصفى لذة، وأهنأ راحة، وأبقى نعيماً؟!.