وكذلك كانت دعوته - عليه الصلاة والسلام - إلى الإسلام، فإنها كانت محفوفة بما يقرّب العقول إلى قبولها، وتألف النفوس إلى سماعها، فكان - صلى الله عليه وسلم - يراعي في إبلاغها الطرق الكفيلة بنجاحها، فيورد لكل مقام مقالاً يناسبه، ويكسو كل معنى من المعاني ثوباً يليق به، ويخاطب كل طائفة على قدر عقولهم، ويلاقيهم بالسيرة التي هي أدعى إلى إقبالهم، وأسرع أثراً في صرفهم عن غوايتهم.
كان - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الحق، ويتلو الدعوة بالحجة، والقرآن الكريم لم يدَع أصلاً من أصول الدين إلا أقام عليه البرهان الساطع، وأزاح عنه كل شبهة، وكثيراً ما نقرأ في قصص الداخلين في الإسلام قديماً وحديثاً: أنهم دُعوا إلى الإسلام، وقرئ عليهم القرآن، فانقلبوا إلى إيمان لا تحوم عليه شبهة، ولا تزلزله عاصفة فتنة.
يدعم - صلى الله عليه وسلم - الدعوة بالحجة، ويدفع ما كان يعرض للناس من شُبه. قال المغيرة بن شُعبة:
بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نجران، فقالوا فيما قالوا: أرأيت ما يقرؤه: {يَاأُخْتَ هَارُونَ}[مريم: ٢٨]، وقد كان بين عيسى وموسى ما قد علمتم، قال: فأتيت - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته، قال:"أفلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم، والصالحين الذين كانوا قبلهم؟ ".
ومن طرق دعوة الإسلام: التذكير مما يصير إليه المتقون من عزّ وسلامة،