وما يلحق المجرمين من خزي ومهانة، ومن التذكير ما يرجع إلى البشارة بالخير في الدنيا، والحسنى في الآخرة، ومنه ما يرجع إلى الإنذار بسوء المنقلب في هذه الدار، أو عذاب الهون في تلك الدار، وللبشارة والأنذار أثر كبير في حث المؤمنين على الحسنات، وردعهم عن السيئات، وأثر البشارة والأنذار في غير المؤمن: أنهما يدعوانه إلى النظر في الدعوة، وإذا نظر بروية، أدرك أنها حق، فيفتح لها صدره، ويمد إليها عنقه مذعنا.
ومن مظاهر دعوته - صلى الله عليه وسلم -: إرسال الحكم البالغة، وكثرة ما في الكتاب العزيز والحديث الشريف من الحكم الرائعة تدل الناظر على أن دعوة الإسلام قول فصل، وما هي بالهزل، ولو كان في المقام سعة، لسقت إلى حضراتكم من تلك الحكم الغالية ما يبلغ عنان السماء، ولو كان في المقام سعة، لأوردت جانباً من الحكم التي يذكرها الناس لشاعر أو خطيب بالإعجاب، وبينت أن معنى تلك الحكمة يقتبس من كتاب الله، أو حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فانظروا مثلاً قول المعري:
فلا نزلت بأرضي أو بقومي ... سحائبُ ليس تنتظِمُ البلادا
تجدوا روح هذا المعنى في قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
وكنت قرأت في بعض كتب الفلسفة: أن الصداقة لا تدوم إلا بين الناس الطيبين، فحضر في ذهني عند قراءة هذا البحث قوله تعالى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف: ٦٧].
ظهر الدين الحنيف، وامتدت ظلاله في الآفاق، بما كان معه من آيات بينات، وحِكم بالغات، أما السيف، فإنه يجرد لدفع عدو مهاجم، أو متحفز