للهجوم، وقد تُجرد السيوف من أغمادها؛ لتسير دعوة الحق تحت ظلالها آمنة مطمئنة، فدعوى أن الإسلام انتشر بالسيف يكذبها التاريخ الصحيح، ويطعن فيها أن الدين يكتفي من غير المسلمين بالجزية، ويرضى لهم أن يعيشوا وهم تحت رايته آمنين على أنفسهم وأعراضهم، متمتعين بأموالهم وشعائر دينهم.
وإذا تراءى لك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استعان في بث الدعوة بما كان يهبه لأشراف القبائل من المال، قلنا: إن الهدايا تذهب بالأحقاد، وتضع مكان التقاطع ائتلافاً، فغايتها أنها تجعل القلوب متهيئة للنظر في صدق الدعوة، أما العقيدة، فإنما تتصل بالقلوب من ناحية الآيات البينات.
وكا - صلى الله عليه وسلم - يؤثر بعض حديثي العهد بالإسلام بجانب من المال؛ للاحتفاظ ببقائهم على الهداية، يفعل ذلك حيث يظهر له أن إيمانهم لم يرسخ في قلوبهم رسوخ ما لا تزلزله الفتن، وإلى أمثال هؤلاء أشار - عليه الصلاة والسلام- بقوله:"إني لأعطي الرجل، وغيرُه أحبُّ إليَّ منه؛ خشية أن يكبه الله في النار".
ومن أدب دعوته - عليه الصلاة والسلام -: أخذُه فيها بالصبر والرفق والأناة، فكان يعرضها في لين من القول، ويقابل الجاهل بالإعراض، والمسيء بالعفو أو الإحسان، وإن أذى كثيراً كان يلحقه من مشركي قريش وسفهائهم، فيلقاه بالصبر، ولا ينال من عزمه واسترساله في الدعوة ولو شيئاً قليلاً. وكم من كلمة سيئة يرميه بها بعض المنافقين، أو بعض الجفاة من الأعراب، فيكون جزاؤها الصفح، أو التبسم والإنعام.
وكان يأخذ في التأديب والزجر عما لا ينبغي مأخذاً لطيفاً، حتى إنه