لا يوجّه الإنكار إلى الرجل بعينه ما وجد في الموعظة العامة كفاية. قالت عائشة- رضي الله عنها-: صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، فرخص فيه، فتنزَّه عنه قوم، فبلغه ذلك، فخطب، فحمد الله، ثم قال:"ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟! فوالله! إني لأعلمهم بالله، وأشدهم خشية له".
ومن حكمته في الدعوة: أنه لا يجعل الوعظ على الناس ركاماً، بل كان يتحرى بالموعظة وقت حاجاتهم إليها، أو وقت نشاطهم لسماعها، قال عبد الله بن مسعود: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام؛ كراهة السآمة علينا.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يسلك في رسائله إلى الملوك والطوائف طريق الإيجاز، ويأكل بسط الدعوة وتفصيل الحجة ودفع الشبه إلى من يبعثهم بتلك الرسائل، وفيهم الكفاية لهذا الشأن، كتب إلى أهل نجران كتاباً أرسله مع عمرو بن العاص، وهو:"أما بعد: فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم، فالجزية، فقد آذنتكم بحرب، والسلام".
وقصَّ علينا أصحاب السيرة محاورة دينية جرت بينهم وبين عمرو بن العاص بعد أن قرأوا الكتاب.
ومن بديع أسلوبه - صلى الله عليه وسلم - في إجابته السائلين: أنه يأتي بالجواب في صورة قاعدة عامة، والسائل يكفيه أن يقال له في الجواب: نعم، أو لا.
كان رجل من محارب يؤذيه أيام كان يعرض نفسه على القبائل، ثم جاء ذلك الرجل في وفد محارب مسلماً، وذكَّر رسولَ - صلى الله عليه وسلم - بما كان يلقاه به من الأذى، وقال له: استغفر لي؟ فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "إن الإسلام يجبُّ ما قبله