من الكفر". ولو قال في الجواب: "غفر الله لك"، لبلغ السائل مرامه، ولكنه - عليه الصلاة والسلام - أورد الجواب في صورة يؤخذ منها غفران كل ذنب صدر من السائل قبل الإيمان، ويؤخذ منه أن هذه المغفرة العامة لا تختص به، بل تحصل لكل من ارتكب آثاماً في عهد الكفر، ثم دخل في حظيره الإسلام.
ومن أسلوبه في الدعوة: صوغ التشابيه البديعة، وضرب الأمثال الرائعة، وللتشبيه والتمثيل أثر كبير في جعل الحقائق الخفية واضحة، والمعاني الغربية مألوفة، ومن أبدع ما سمعناه في هذا الباب: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمَّى".
ومن سياسته في الدعوة: أنه كان يخاطب كل قوم بما يفهمون، ويتحامى أن يخاطب أحداً بما لا يحتمله عقله، وأرشد إلى هذا الأدب بقوله: "حدثوا الناس بما يفهمون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ ".
وربما فعل - صلى الله عليه وسلم - الشيء مسايرة لمن يبتغي فعله، وإنما يأخذ بهذا الأدب فيما يرجع إلى العادات، ولم يكن في فعله ضرر يستدعي تركه.
أراد أن يكتب إلى بعض الملوك رسائل يدعوهم فيها إلى الإسلام، فقيل له: إنهم لا يقرأون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة نقشُه: "محمد رسول الله".
وقد يترك الأمر الذي لا ضرر في تركه؛ اتقاء للفتنة؛ كما ترك هدم الكعبة وبقاءها على أساس إبراهيم اتقاء لفتنة قوم هم حديثو عهد بجاهلية، وقال لعائشة - رضي الله عنها -: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرت