ثم عاد مصعب بن عمير في الموسم بعد إلى مكة في جماعة من المسلمين مع حجاج قومهم أهل الشرك، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين، فلقيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -صلوات الله عليه- بالعقبة، وبايعوه على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن يقوموا في الله لا تأخدهم لومة لائم، وعلى أن ينصروه إذا قدم عليهم، ويمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم، ولهم الجنة (١)، وتلك بيعة العقبة الثانية.
وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً يتبع بعضهم بعضاً، ثم لحق بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أول ما فعله من وسائل النهوض بالدعوة: أن بني المسجد الشريف، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وكتب بينه وبين اليهود كتاب موادعة، ونهى عن إقامة المسلم بين المشركين، وجعلت الهجرة من أرض الشرك إلى المدينة فريضة، فكثر عدد المسلمين، وأصبح للدعوة حماة يقومون على نشرها، ويدافعون كل خصم يقف في سبيلها، وناسب وقتئذ أن يأذن الله لهم بجهاد عدوهم، فنزل قوله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج: ٣٩]. ثم نزل قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة: ١٩٠].
استقر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وقام بدعوة اليهود، فأسلم بعض أحبارهم؛ مثل: عبد الله بن سلام، وفريق من غير الأحبار؛ مثل: ثعلبة بن سعية، وأسيد