للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن سعية؛ ولقي من غير هؤلاء الذين أسلموا أشد العداوة، والتقلب في التعنت والمكر، فاشتدوا في مجادلته، وهو يرد عليهم بالحجة، والقرآن المجيد يؤيده، كما قالوا له في بعض مجادلاتهم: ألست تزعم أنك تؤمن بما عندنا من التوراة، وتشهد أنها من الله حق؟ قال: "بلى، ولكنكم أحدثتم، وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق، وكتمتم ما أمرتم أن تبينوه للناس، فبرئت من إحداثكم"، قالوا: فإنا نأخذ مما في أيدينا فإنا على الهدى والحق، فأنزل الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: ٦٨].

وكانوا يقترحون عليه بعض الآيات تعنتاً؛ كما اقترحوا عليه إنزال كتاب من السماء يقرؤونه، وفي هؤلاء نزل قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: ١٥٣].

وكان بعض أحبارهم يوجهون إليه أسئلة بقصد الإعنات؛ كما سألوه عن الروح، فنزل قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥].

واتخذوا في وسائل مقاومة الدعوة هجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كما صنع كعب ابن الأشرف؛ إذ كان يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويشبب بنساء المسلمين، واتصلوا بكفار قريش وغيرهم يحرضونهم على قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من يبذل في ذلك أموالاً؛ كأبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق؛ إذ كان يؤدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله - صلوات الله عليه وسلم -.