هذا المقام، فنكتفي بأن نسوق إلى حضراتكم طائفة منها على سبيل التمثيل، وندع استيفاء البحث عنها إلى فرصة أخرى.
وإذا تحدثت في هذه الكلمة عن العرب، فلأنهم أول أمة تلقت هذه الدعوة الإصلاحية الشاملة، ووقعت منها موقع الدواء الناجع من العلل المزمنة.
ومن حديثي عن العرب، يعرف أثر دعوته -عليه الصلاة والسلام - في تخليص سائر البشر من التخيلات الضارة، والسمو بها إلى المنزلة العليا في البحث والتفكير؛ فإن الأمم غير العربية لم تكن في تعلقها بالأوهام وانحطاطها في العادات بأقل ولا أحقر من الأمة العربية قبل الإسلام، كما أنها كانت تضاهيها في بطلان عقائدها، واعوجاج سيرتها.
ولعلك لا تجد زعماً باطلاً في العرب إلا وجدته بنفسه، أو وجدت ما يضاهيه في غير العرب، وإذا حط الشرك والاعتقاد بإلهية المخلوق رحاله في قوم، فهنالك ترى البصائر في ظلمة، وهنالك يبيض التخيل ويفرخ، وهنالك تسمع وترى من الأباطيل والخرافات ما يدلك على أن أشخاصاً أو جماعات يعدون في الناس، وهم لا يشبهون الناس إلا بأن أصواتهم تشتمل على حروف متمايزة.
كان العرب يتشاءمون بكثير من الأشياء؛ نحو: الغراب، والبومة، أو مرور الطير من ناحية الشمال، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التشاؤم بإطلاق، فقال:"لا طيرة"، ونبه على أن وجوه الخير والشر إنما تعرف من طريق الشرع أو العقل. ومن سوء عواقب التشاؤم بهذه المخلوقات أنها قد تصد الرجل عن وجهة لو مضى فيها، لنال خيراً كثيراً أو قليلاً.