ومن المحزن أن ينهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عن التشاؤم، ويزيحه من طريق العاملين المجدين، ويضع عقيدة التوكل على الخالق مكانه، ثم لا يلبث وباؤه الخبيث أن يعود، ويتفشى في نفوس كثير من جماعات المسلمين، فهذا يتشاءم بمن يعوده وهو مريض في يوم الأربعاء، وذاك يتشاءم بتناول سكتتين أو مقراض من يد صديق له، بل لا يزال كثير من الناس يتشاءمون بما كان الجاهلية يتشاءمون به من نحو: رؤية البوم والغراب. والبصائر المشرقة بنور الحكمة لا يحوم عليها التطير في حال.
وكان العرب في جاهليتهم يستقسمون بالأزلام؛ ذلك أنهم كانوا يتخذون ثلاثة أقداح يكتبون على واحد منها:(افعل)، وعلى الثاني:(لا تفعل)، ويتركون الثالث غُفلًا، فإذا أراد أحدهم أمرًا يهمه؛ من نحو سفر، أو نكاح، أو تجارة، أجال هذه الأقداح، فإن خرج له قدح الأمر، فعل، وإن خرج له قدح النهي، ترك، وإن خرج له القدح الغفل، أجال الأقداح مرة ثانية. ومن أثر هذا التخيل الفاسد: أن الرجل قد يترك العمل وفيه خير كثير، أو يقدم على عمل وفيه شر عظيم. وكان هذا التخيل مما تناولته الدعوة المحمدية، وجاء النهي عنه في القرآن المجيد، ووضعت السنة الغراء مكانه الاستخارة الشرعية والاستشارة.
وإبطال الشريعة للأزلام يجري حكمه في كل ما يتخذ وسيلة للاطلاع على عواقب الأمور من غير طرقه الشرعية أو العلمية؛ مثل: الاستخارة بالمصحف، أو السبحة، ونحوها، فكل هذا ما عدا الاستخارة الشرعية بدعة لا يجوز التعلق بها.
وكان للعرب غلو في الاعتقاد بتصرف الجن في نفع الناس وضرهم،